خواطر عن المساجد والأئمة (2/2)

✍️ بقلم: أحمد محمد حسن زيدان
حكمة الملك عبدالعزيز في تعيين الأئمة
وبمناسبة الحديث عن أئمة المساجد، يحضرني ما ذكره الشيخ عبيد الله أمين كردي في جريدة البلاد، عن حكمة الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – حين سُئل عن تعيين الشيخ عبدالظاهر أبو السمح – رحمه الله – إمامًا للمسجد الحرام، رغم كونه مصريًا. فقال: “إن ذلك التعيين كان مراعاة لاتجاهات ومصالح جمع الأمة وتماسكها، ولكيلا يظن المسلمون أننا نتحيز لأنفسنا”.
أثاب الله المؤسس الموحد على ما قدّم لأمته، ووفق أبناءه لمواصلة تحقيق الأهداف التي رسمها.
الشيخ أبو السمح وصوته الذي لا يُنسى
كان للشيخ أبو السمح طريقة خاصة في الترتيل، يرفع صوته أو يخفضه تبعًا لمعاني الآية. وما زلت أذكر حتى الآن – وقد كنت يافعًا – تلك الرهبة التي شعرت بها عندما صلينا خلفه الفجر، وكان يتلو سورة “والسماء والطارق”. وحين وصل إلى الآية: “والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وما هو بالهزل”، امتزج المعنى الجليل مع أدائه المؤثر والجو الروحاني، حتى خُيّل إلي أن الكون كله قد توقف ليستمع إلى ذلك القسم الإلهي.
تساؤلات حول معايير اختيار أئمة الحرمين
وعطفًا على ما رواه الشيخ كردي، هناك تساؤلات عن المعايير المتبعة اليوم في اختيار أئمة الحرمين الشريفين. يرى البعض أن الإمامة شرف يجب أن يناله المؤهلون من أبناء المملكة، وخاصة من سكان المدينتين المقدستين. فالشيخ محمد أيوب – رحمه الله – مثلًا لا يقل كفاءة عن غيره من الأئمة الحاليين، ومن المؤكد أن في المملكة الكثيرين من هذا الطراز.
وقد قيل إن ابن الشيخ عبدالله خياط – الإمام الأسبق للمسجد الحرام – عُين إمامًا، لكن لم يُسمع له صوت في صلاة جهرية كما كان يُنتظر منه.
اقتراح لتحقيق التوازن والتمثيل العادل
ربما يمكن تحقيق التوازن الذي أراده الملك عبدالعزيز – رحمه الله – بزيادة عدد الأئمة، وتنويعهم مع ترتيب التناوب، بدلاً من الاقتصار على عدد محدود من منطقة واحدة.
وليس ذلك بمستحيل، فخادم الحرمين الشريفين – جزاه الله خير الجزاء – يواصل دعمه السخي للحرمين، وحكومته الرشيدة لا تتردد في توفير الميزانيات اللازمة لذلك.
من الأئمة إلى الدعاء: تأملات في القنوت
ويقودني الحديث عن الأئمة إلى الدعاء، إذ يرد كثيرًا في القنوت عبارة: “اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله…”، وأرى أن استخدام “من” هنا غير دقيق، لأن الفعل “نسأل” متعدٍّ ولا يحتاج إلى حرف جرّ. كما أن “من” تفيد التبعيض، ونحن نسأل الله الخير كله لا بعضه. أما فعل “نعوذ” فهو فعل لازم ويأخذ حرف الجر، لذا يصح: “ونعوذ بك من الشر كله…”.
هذا ما تعلمناه في أول مدرسة حكومية أُنشئت في مكة المكرمة في عهد الملك عبدالعزيز.
صياغة دقيقة في الدعاء للمتوفين
ومن العبارات المتكررة: “اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك”. والواقع أن كلمة “مسلم” لا تُطلق شرعًا إلا على من شهد بالتوحيد والرسالة ومات على ذلك، لذا فإن عبارة “موتى المسلمين” تُغني عن بقية الجملة وتمنع الالتباس.
ما لم يكن هناك مقصد خاص لا يكتمل إلا بها، نسأل الله أن يرحم جميع موتى المسلمين.