من حُلم الموجات إلى تأسيس بنية الاتصال في المملكة
امتدت مسيرة الشيخ أحمد محمد زيدان المهنية من ثلاثينيات القرن الماضي إلى أوائل السبعينيات، متدرجة من بدايات فنية بسيطة إلى أرفع المناصب في الدولة، لتُشكّل نموذجًا سعوديًا فريدًا في الريادة والتدرج والالتزام الوطني.
📡 البدايات في قطاع الاتصالات – أواخر الثلاثينيات
في سنّ مبكرة، تأثر بصورة المخترع الإيطالي ماركوني في إحدى المجلات، فقرر دخول معهد اللاسلكي الفني في جدة، حيث تعلّم عمليًا على أجهزة الشرارة الألمانية في محطة القشلة.
أتقن الشيفرة المورسية بامتياز، وبرز تحت إشراف الأستاذ فخري أفندي، الذي تنبأ له بمستقبل واعد.
👑 خدمة الملك عبدالعزيز – الأربعينيات
عُيّن كفني تلغراف في الرياض، وخلال الحرب مع اليمن، أُوكلت له مهمة تأسيس اتصال لاسلكي بين الرياض وأبها.
نال ثقة الملك عبدالعزيز، حتى أصبح مرافقًا له في رحلاته البرية، حاملًا “الشنطة اللاسلكية الملكية”، أداة الاتصال الوحيدة بالقصر آنذاك.
كما أسس مركز “بستان اللاسلكي” في منى لتأمين الاتصالات أثناء الحج، ويُعد من أوائل المبادرات الحكومية المنظمة في الحج التقني.
🏢 المناصب القيادية – الأربعينيات إلى الخمسينيات
تدرّج في المسؤوليات:
- مدير الاتصالات اللاسلكية في مكة
- مدير عام البرق والهاتف في المنطقة الشرقية
- أدخل موجات البث القصيرة (SW) لأول مرة في المملكة.
وفي عام 1378هـ (1959م)، حصل على أول رخصة سعودية لهواة اللاسلكي تحت النداء الشهير HZ1HZ، مما جعله رائدًا لهذا المجال محليًا ودوليًا.
🌍 التدريب الدولي والريادة العالمية – الخمسينيات إلى 1969
حصل على منحة حكومية للدراسة في بريطانيا والعراق، حيث تخصص في الاتصالات والأرصاد الجوية. عاد ليُدرّب أول دفعة من الفنيين السعوديين، واضعًا الأساس لتوطين القطاع.
شارك في مؤتمرات الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، وترأس مجلسه عام 1967م، كأول عربي وسعودي يشغل هذا المنصب.
قاد لجنة آسيا وأوقيانوسيا، وساهم في صياغة سياسات استخدام الطيف الترددي دوليًا.
🏛️ وكالة وزارة المواصلات والاتصالات – الستينيات
عُيّن أول وكيل رسمي للوزارة، وأشرف على مشاريع استراتيجية:
- توسيع شبكات اللاسلكي والتلغراف.
- تنفيذ نظام الهواتف التلقائية بالتعاون مع اليابان.
- ابتعاث الكوادر الشابة للتدريب التقني بالخارج.
⚖️ الاستقالة والكرامة – 1969
بعد حملة تشكيك بغير وجه حق، قدم استقالته متمسكًا بمبادئه.
استدعاه الملك فيصل ليصبح مستشارًا في الديوان الملكي، بمنصب أعلى وراتب أكبر، واستمر في تمثيل المملكة حتى تقاعده عام 1972م.
🎙️ ما بعد التقاعد – الوفاء للهواية
رغم اعتزاله الرسمي، ظل نشطًا في مجاله:
- شارك في مسابقات لاسلكية عالمية بندائه HZ1HZ.
- ساهم في تركيب أنظمة اتصالات للمساجد والمدارس.
- درّب فرق الاتصال بالحج، ونقل خبراته للأجيال الجديدة.
🧱 الأثر المؤسسي والتقني
من أبرز إنجازاته:
- إدخال أجهزة ماركوني لأول مرة للمملكة.
- بناء شبكة التلغراف في القرى والهجر.
- إعداد أول نظام سعودي لهواة اللاسلكي.
- تخريج أكثر من 500 مهندس وفني سعودي بين 1950–1970م.
🧭 قيم القيادة
- كان قائدًا ميدانيًا لا يكتفي بالمكاتب، بل يتنقّل لإصلاح الأعطال بنفسه.
- رفض التسلط، ومكّن الشباب، وفتح أبواب الفرص أمام الموهوبين.
- بقي نزيهًا متواضعًا رغم قربه من دوائر صنع القرار.
تأسيس مؤسسة عكاظ الصحفية
في عام 1964م، كان الشيخ أحمد محمد زيدان أحد المؤسسين الأوائل لمؤسسة عكاظ، التي نشأت بعد صدور المرسوم الملكي رقم 62 بتاريخ 24 شعبان 1383هـ الموافق 5 يناير 1964م، والذي أقر نظام المؤسسات الأهلية للصحف. شارك الشيخ ضمن 29 مؤسسًا،
وقد صدر العدد الأول من صحيفة عكاظ بعد تحويلها لمؤسسة في 11 جمادى الثانية 1384هـ الموافق 17 أكتوبر 1964م، لتصبح من أبرز الصحف السعودية، وقد أسهم بشكل فعّال في رسم توجهاتها وتثبيت مكانتها.
🔚 الخلاصة
المسيرة المهنية للشيخ أحمد محمد زيدان لم تكن مجرد ترقٍ وظيفي، بل مشروع نهضة تقنية وإنسانية ساهم في تحويل المملكة إلى دولة متصلة بالعالم، مؤسسة لبنية حديثة قائمة حتى يومنا هذا.